النوم الجيد: ليس رفاهية بل ضرورة للصحة الجسدية والعقلية - دراسة تؤكد

أكدت دراسة حديثة واسعة النطاق مجدداً على الدور الحاسم الذي يلعبه الحصول على قسط كافٍ من النوم الجيد ليلاً في الحفاظ على الصحة الجسدية والعقلية على المدى الطويل، محذرة من أن الحرمان المزمن من النوم يزيد من خطر الإصابة بالعديد من الأمراض الخطيرة.

النوم الجيد: ليس رفاهية بل ضرورة للصحة الجسدية والعقلية - دراسة تؤكد
صورة هادئة لشخص نائم بسلام في سرير مريح وغرفة مظلمة، تعبر عن النوم العميق والمريح.

مقدمة: أهمية النوم التي غالباً ما يتم تجاهلها

في عالم يتسم بالسرعة وضغوط الحياة المتزايدة، غالباً ما يُنظر إلى النوم على أنه رفاهية يمكن التضحية بها لصالح العمل أو الأنشطة الأخرى. ولكن الأبحاث العلمية المتراكمة تؤكد مراراً وتكراراً أن النوم ليس مجرد فترة راحة، بل هو عملية بيولوجية حيوية ومعقدة تلعب دوراً أساسياً في تنظيم وظائف الجسم والدماغ. دراسة حديثة شاملة جاءت لتعزز هذه الحقيقة، مقدمة أدلة قوية على أن جودة وكمية النوم تؤثران بشكل مباشر على صحتنا الجسدية والنفسية، وأن إهمال هذه الحاجة الأساسية يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على المدى الطويل.

نتائج الدراسة: قلة النوم وخطر الأمراض

قامت الدراسة بتحليل بيانات النوم والصحة لآلاف المشاركين على مدى فترة زمنية طويلة، وركزت على العلاقة بين أنماط النوم (المدة، الجودة، الانتظام) وخطر الإصابة بمجموعة من الأمراض المزمنة والمشاكل الصحية. وأظهرت النتائج بوضوح أن الأشخاص الذين يحصلون باستمرار على أقل من 6-7 ساعات من النوم ليلاً، أو يعانون من اضطرابات النوم مثل الأرق أو انقطاع التنفس أثناء النوم، كانوا أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم، أمراض القلب التاجية، السكتة الدماغية، السكري من النوع الثاني، والسمنة. كما وجدت الدراسة ارتباطاً قوياً بين قلة النوم وضعف وظائف جهاز المناعة، مما يجعل الجسم أكثر عرضة للعدوى. على الصعيد العقلي والنفسي، ارتبط الحرمان المزمن من النوم بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب، اضطرابات القلق، صعوبات في التركيز والذاكرة، وضعف القدرة على اتخاذ القرارات.

لماذا النوم ضروري جداً؟ العمليات الحيوية أثناء النوم

أثناء النوم، يقوم الجسم والدماغ بالعديد من العمليات الحيوية الضرورية للصحة والتعافي. فعلى سبيل المثال، يتم خلال النوم العميق إصلاح الأنسجة، بناء العظام والعضلات، وتعزيز وظائف جهاز المناعة. أما بالنسبة للدماغ، فيعتبر النوم فترة حاسمة لتنظيف الفضلات والبروتينات السامة التي تتراكم خلال فترة اليقظة (بما في ذلك بروتينات بيتا أميلويد المرتبطة بالزهايمر)، وذلك من خلال نظام يُعرف بالنظام الغليمفاوي. كما يلعب النوم دوراً مهماً في تعزيز الذاكرة وتثبيت المعلومات التي تم تعلمها خلال اليوم، وتنظيم المشاعر والمزاج. وعندما لا نحصل على قسط كافٍ من النوم الجيد، تتعطل هذه العمليات الأساسية، مما يؤدي تدريجياً إلى تراكم الآثار السلبية على مختلف أجهزة الجسم ووظائف الدماغ.

نصائح لتحسين جودة النوم:

بناءً على نتائج الدراسة وأبحاث النوم الأخرى، يوصي الخبراء باتباع بعض العادات الصحية لتعزيز جودة النوم والحصول على قسط كافٍ منه: 1. **الالتزام بجدول نوم منتظم:** حاول الذهاب إلى الفراش والاستيقاظ في نفس الوقت تقريباً كل يوم، حتى في عطلات نهاية الأسبوع. 2. **تهيئة بيئة نوم مريحة:** تأكد من أن غرفة نومك مظلمة وهادئة وباردة. استخدم ستائر معتمة وسدادات أذن إذا لزم الأمر. 3. **تجنب المنبهات قبل النوم:** قلل من استهلاك الكافيين والنيكوتين والكحول، خاصة في المساء. 4. **الاسترخاء قبل النوم:** مارس أنشطة مهدئة قبل النوم بساعة أو ساعتين، مثل القراءة، الاستحمام الدافئ، الاستماع إلى موسيقى هادئة، أو تمارين التنفس العميق والتأمل. 5. **تجنب الشاشات الإلكترونية:** الضوء الأزرق المنبعث من الهواتف والأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر يمكن أن يثبط إنتاج الميلاتونين (هرمون النوم). حاول تجنب استخدامها قبل النوم بساعة على الأقل. 6. **ممارسة النشاط البدني بانتظام:** التمارين الرياضية تساعد على تحسين النوم، ولكن تجنب ممارستها في وقت متأخر جداً من المساء. 7. **تجنب الوجبات الثقيلة والسوائل الكثيرة قبل النوم:** يمكن أن تسبب عدم الراحة أو الحاجة للاستيقاظ للذهاب إلى الحمام. 8. **التعرض لضوء النهار الطبيعي:** يساعد التعرض للضوء الطبيعي في الصباح على تنظيم الساعة البيولوجية الداخلية.

خاتمة:

إن إعطاء الأولوية للنوم الجيد ليس ترفاً، بل هو استثمار أساسي في صحتك الحالية والمستقبلية. فهم أهمية النوم واتخاذ خطوات عملية لتحسينه يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً في نوعية حياتك ووقايتك من الأمراض.
كتب هذا المقال فريق موقع طبيبك دوت كوم بالتعاون مع الدكتورة رانيا الشاذلي أخصائية طب النوم واضطراباته.